بوتليس الجزء الأول

بوتليس الجزء الأول

هناك بعيدا عن هذا الدغل هناك بعيدا عن هذا المستنقع هناك بعيدا عن العرات و الحفات و الجياع هناك حيث الصخرة يسكن و غلامه
يسكن بأمن وأمان كما سكن من قبله
هناك يسكن شهام البنيك عائلة كبيرة عريقة هي عائلة البنيك
لشهام غلام يقبع على حراسته و خدمته إسمه بوتليس البنيك كذلك
فقد أعطاه إسم عائلته- أي السيد- كنوع من التكريم و الشكر فهو مخلص لسيده وفي لسيده كأي سحلية وفية – لو كانت السحالي الوفية –
بوتليس يحمل ريشة في يده يدافع بها عن نفسه و سيده فلو هاجمه أحد دغدغه بها حتى ضحك فولى الأدبار
بوتليس يكره إستعمال العصي و السيوف و الحجارة فبوتليس لا يفعل شيء سوى أنه يطبق التعليمات
و التعليمات تقول
إجعلهم يضحكون
يضحكون من أنفسهم من قريتهم من أرضهم من عقولهم إجعلهم يضحكون حتى يغيبوا عن الوعي إجعلهم يضحكون حتى الغباء
إجعلهم يضحكون حتى يسخروا من أنفسهم فيحتقروا أنفسهم
فلا يزعجون خلوتي
أحد سكان القرية قصد صخرة شهام ذات يوم غايته بعض الدقيق لأبنائه
في الأسفل صعد الجبل و في يده ما يثبت جوع الأبناء
قابله بوتليس أولا

سأله
” من أنت و ماذا تريد ”
أجاب
” أنا سيزيف أحد السكان في الأسفل ”
نظر له بوتليس في شك
” هل أنت أحد البنيكين ؟”
أجاب
” لست كذلك ”
فأجابه بوتليس بثقة
” إذا عد غذا و معك مطلب و مايثبت أن لك هذا العدد من الأبناء
و سوف ينظر السيد البنيك الكبير في أمرك ”
رضخ سيزيف المسكين و عاد في الغد
نظر بوتليس إلى أوراقه
و قال
” ألم أقل لك أن تأتي لي بنسخ لهذا عد غدا و معك النسخ ”
رضخ سيزيف للأمر
وعاد في الغد و معه النسخ

نظر بوتليس بتمعن في الأوراق و قال
” أين الصور كيف تأتي بلا صور و مضامين للأبناء
أن للسيد أن يعلم أنهم على قيد الحياة عد في الغد و معك المضامين ”
رضخ سيزيف و ما لسيزيف إلا أن يرضخ ككل مرة
عاد في الغد صعد للأعلى حيث الصخرة
و أعطى لبوتليس ملف يحتوي كل الأوراق
إبتسم بوتليس في وجه سيزيف و قال
” كل شيء جاهز الآن جيد جدا يا سيزيف ينقصك شيء واحد
أريد ما يفيد أنك قد دفعت الضرائب في الخمس سنوات الماضية لدولة البنيكين ”
نزل سيزيف
و عاد في الغد و معه ما يفيد أنه دفع الضرائب لمدة خمس سنوات
قدم الملف لبوتليس
سعد بوتليس بسيزيف هذه المرة و قال
” الآن ممتاز ستدخل على السيد شهام البنيك لكن لا تأمل كثيرا فقد يرفض طلبك و لا يعطيك الدقيق الذي طلبت لكن قبل أن تقابله عليك فعل شيء مهم هو إجراء أمني لسلامة السيد
لا يمكن أن تدخل للسيد هكذا “

سأله سيزيف
” كيف لم أفهم ”
أجابه
” من يدري ما تحت هذا القماش الذي ترتدي ”
سيزيف
” لم أفهم بعد ”
بوتليس بحزم
” إخلع ماترتديه و إلا عد من حيث جئت ”
سيزيف
” هل حقا علي خلع ملابسي كي أقابل السيد ؟”
بوتليس
” نعم و كل ما ترتديه
و إلا عد أو دعني أتصرف ”
سكت سيزيف مفكرا
فقاطع تفكيره صوت بوتليس و هو يقول
” إختر أن تخلع أو أن يموت الأبناء جوعا بعد أسبوع من الآن “

رضخ سيزيف
و سمح لبوتليس أن يتصرف
دخل سيزيف على شهام عاري الجسد و حدثه
سيزيف
” نحن يا سيدي أناس أصابنى الجوع و المرض و الجهل و الوباء
في الأسفل يا سيدي الشمس تقتل النبات و المطر يغرق البلدة
الريح يحمل في يده أرواحنا نحن نعيش بالأسفل يا سيدي بعيدا عن هنا
أنت لا ترى سوى نملا يتحرك من هنا إذا نظرت لنا لا ترى سوى أجسام صغيرة هذا إذا نظرت
نحن نموت يا سيدي نموت كل يوم و أنت لا تعلم نموت كل يوم و بوتليس الذي عليه حمايتنا لا يتحرك من هنا و نحن بين جوعنا و قتل أحدنا للآخر فماذا نفعل يا سيدي
ما أريد بعض الدقيق
بعض الدقيق حتى لا يموت أبنائي
على الأقل يا سيدي تذكر أن أبنائي لو ماتوا فلن يدفع لكم الضرائب أحد من بيتي بعد أن أموت فساعدني “

بقلم : محمد مطماطي