بلال و آخرون…

بلال و آخرون…

عزيزي العزيز

ماذا قدمت لهؤلاء الذين في السجنون الآن و الآخرون الذين يرون ظل القضبان يوميا حال رؤيتهم دورية أو كتف أزرق عليه بعض النجوم , ماذا قدمت لهم و هم من وضعوك في مكانك الآن , و هم من وضعوك هناك و جعلوا الجميع يصدق أنك الحل و المنقذ و الأنقى بينهم , مذا قدمت لهؤلاء الذين وضعوا علامة “إكس” أمام إسمك و رقمك و وضعوا الورقة التي جعلتك أنت ما أنت عليه الآن , بأديهم وضعوها الورقة , و بأيديهم يلفون الحشيش , و أما يداك يا عزيزي , فقد وضعت بهما السلاسل , و أغلقت بهما الزنازين , على من آمن بك , و على من صرخت حناجرهم بإسمك يوما , خناجرهم , أتذكرها , هي عندما رددت إسمك , هي ذاتها التي يتسلل منها دخان حشيشهم , و هي ذاتها التي إقتحمتهم منها إدانتهم . دمهم , الذي صرخوا به قائلين , أنه يصرخ في عروقهم , أتذكر عندما قالوها عندما إنتصرت ؟ دمهم ذاته , هو دليل إدانتهم , أعرفت من هم ؟ أم أنك نسيت من يكونون , و نسيت أملهم و ألمهم , أنسيت ؟ أعلم أنك نسيت لكن لا عليك من هذا قد كانوا حمقى عندما آمنوا بك , أنا متأكد من هذا من الساعة الأولى و اللحظة الأولى و لم أكن منهم ,ولست منهم , لكني أتكلم حبا في بلادي و إخوتي و أقراني , و حبا في أولادي الذين لم يخلقوا بعد, أنت خيبة الأمل الكبرى لهذا الشعب . الشباب الذي يحشش , أو يزطل , أو يستهلك أو سمه ما شئت هو ذاته من وضعك هناك , و هو ذاته من فسح لك المجال , و صدقك , أنت أكبر خيبة أمل و أكبر كذبة عاشها الشعب , دكتاتور متخفي , ككل دكتاتور , رجالك , عصا الدولة الذين إحتميت بهم و إنقلبت بهم , هم من قتلوا هذا الجيل الذي قد يصنع فارقا يوما , و هم من يزجون بهم في أكثر الأماكن ظلمتا في هذه البلاد , و هم من لفقوا لهم سبب وجودهم هناك , و هم كذلك من أصروا على وجودهم هناك , بكل الوسائل , لكن دعني أسألك , هل أنت متأكد أن كل هؤلاء , لا يتعاطون ما تسميه أنت مادة يتعاطاها أحدهم , أذكر العديد من المرات , أني رأيت منهم الكثيرون ,يشترون الورقة , في كل مكان في الجمهورية , هم كذلك مجرمون , هم كذلك يدخنون , من ؟ من كنا قد سميناهم بوتليس يوما , من يضعون المدخنين في قبو سلطتك , في سجنك , نعم صدقني , و ربما أغلبهم , إن لم يكونوا كلهم , هم في نظر القانون مجرمون إذا ما سحبنا من عروقهم عينة , ندينهم بها , صدقني , لا أحبك نعم , لكني لا أكذبك . ليس هذا و حسب , حتى الأمور الأخرى التي يتطلب فيها إحترام لقانون ما و تطبيقه , هم لا يفعلون هذا , و لن يفعلوا , لا هم و لا أبناؤهم , لما ؟ لأنهم زميل أو إبن زميل , أذكر أني كنت في سيارة مع أحد الأصدقاء ليلا , و أوقفتنا دورية منهم , نظروا لنا , بدؤوا بتفتيشنا , لكن عندما ذكر الفتى أنه إبن زميل منهم توقفوا عن التفتيش و إنقلبت الملامح الجادة إلى إبتسامات ثم كان السؤال الذي لم يخرج من عقلي من ساعتها , ” شبيك ماقلتش إلي بوك زميل ؟ كي نتعاملوا مع ولد زميل , موش كيما نتعاملوا مع عبد عادي ” و أنا كنت ” عبد عادي” , أما هو فلا , فهو إبن زميل , ماذا لو كنا إرهابيين , أو فعلا نستهلك ما ترونه مخدرات , أو كنا حقا نهدد الأمن العام , أم كلمة زميل , أو إبن زميل تكفي لإبعاد كل الشبهات , ربما قد يكون تطبيق القانون شيء يورث بالجينات , لكن حتو لو كانت هذه حقيقة علمية , فالعكس ماهو سيورث يالجينات , فالزملاء , هم آخر من يطبقون القانون , الدليل ؟ أذكر لي إبن أحدهم في السجن بسبب ما تعتقد أنها مادة يتعاطاها أحدهم و يصبح خطيرا على المجتمع و على نفسه . أذكر لي سبب واحد وجيه لهذا القانون الذي لم يتغير , سبب وجيه لإصراركم أن تكون هذه هديتكم لمن صنعوا منكم ما أنتم عليه بأصواتهم التي بحت من تدخينها و الصراخ في وجه من سبقوكم يوما ما لتصبحوا أنتم هنا اليوم و الآن , أهذه هديتكم ؟ أهذا ما يستحقه هذا الجيل حقا ؟

هل السجن هو المكان الطبيعي لجيلنا ؟ أم أن الزملاء يبحثون عن بعض المرح و الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا أداة تفريغ لعقدهم و كبتهم و رغبتهم في إستظهار القوة و العنف , أجبني عن سؤالي رجاء , مالسبب , أتخاف دولتنا على أبنائها حتى الزج بهم في السجون ليصبحوا مجرمين حقا , أتخشى على صحتهم ؟ لما لم تعالجهم لو كان الأمر كذلك , لكني لا أعتقد أن أي طبيب سيقول أنها حالة مرضية , الكل سيقول ” لا بأس المشكل الوحيد في دخان السجائر , أما دوافع الإستهلاك و الإدمان إن وجد فقد تكون مشكل يُحل ” أسمعت ما قاله الدوك , قال دوافع الإستهلاك أو دوافع الإدمان إن وجد , أي إن المشكلة في الدافع , مالذي أعطيته أنت و من قبلك لهؤلاء المساكين الذين فقدوا الأمل من الكل حتى من أنفسهم , ماذا أعطيتموهم كي لا يدخنوا أو يستهلكوا مادة أخرى قد تكون خطيرة حقا على الجميع , لا شيء لم تفعلوا شيئا يجعلهم يبتعدون عن المضار و الإدمان و إستهلاك ” المُنسيات المُرخِفات ” .

عزيزي أنتم تصنعون جيلا محطما ينقم على دولته و بوليسه و مجتمعه , و ينقم على نفسه لأنه ولد ها هنا , فجهز نفسك لما هو أعظم , و أخطر , و أفتك , أنت أو من سيأتي بعدك , تجهزوا , فسترون وحوشا و مسوخا في الشوارع , أتعرف فراكشتاين الوحش و صانعه فيكتور , سيكونون هم فرانكشتاين الوحش و أنتم فيكتور صانع الوحش , صدقني , كل ما نراه في هذه الأرض التي إعتدنا أن نسميها تونس أصبح يؤكد أن الوحش سينهض حتما على صانعه , و ستكون نهضتا موجعتا للوحش , و الصانع , لا أعلق أملي عليك و لا على أي أحد سبقك , لكن إذا ما قرأت كلامي هذا و إقتنعت به , حاول إنقاذ ما تبقى من الجسد المتهالك .

سلام

محمد المطماطي